على التوسط في رفع الصوت بالقرآن لئلا يناله المشركون. وخَتْمُ السورة بتنزيهه تعالى عما يصفه به المبطلون.

قال ابن كثير: (يقول تعالى: {قُلِ} يا محمد، لهؤلاء المشركين المنكرين صفة الرحمة لله عز وجل، المانعين من تسميته بالرحمن: {ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}، أي: لا فرقَ بين دعائكم له باسم {اللَّهَ} أو باسم {الرَّحْمَنَ}، فإنه ذو الأسماء الحسنى).

وفي التنزيل: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 22 - 24].

وقوله: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}. له سبب للنزول أو أكثر في صحيح السنة:

ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قال: [نزلت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مختف بمكة، كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع المشركون سبُّوا القرآن ومَنْ أنزله ومن جاء به، فقال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} أي بقراءتك، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابك فلا تسمعهم، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}] (?).

وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قال: [أنزل ذلك في الدعاء].

وأخرج ابن جرير وابن إسحاق بسند حسن عن ابن عباس قال: [كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرقوا عنه وأبَوا أن يستمعوا منه، فكان الرجل إذا أراد أن يستمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض ما يتلو وهو يُصلي، استرق السمع دونهم فَرَقًا منهم، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهَبَ خشيةَ أذاهم فلم يستمع. فإن خفضَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوته لم يسمع الذين يستمعون من قراءته شيئًا، فأنزل الله - عز وجل - {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} فيتفرَّقوا عنك، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} فلا تُسمع من أراد أن يسمَعَها ممن يسترق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015