قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: وإن ربك، يا محمد، لذو سِتر على ذنوب من تاب من ذنوبه من الناس، فتاركٌ فضيحته بها في موقف القيامة، وصافحٌ له عن عقابه عليها عاجلًا وآجلًا، {عَلَى ظُلْمِهِمْ}، يقول: على فعلهم ما فعلوا من ذلك بغير إذني لهم بفعله، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ}، لمن هلك مُصِرًّا على معاصيه في القيامة، إن لم يُعَجِّل له ذلك في الدنيا، أو يجمعهما له في الدنيا والآخرة).

والآية تهديد ووعيد للكفار والمشركين إن لم يتوبوا من ظلمهم ويرجعوا إلى طاعة ربهم وعبادته. وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه عز وجل: [يا عبادي: إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم] (?).

وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنَفَهُ (?) ويَسْتُرُه فيقول: أتعرف ذنبَ كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول نعم أي ربّ، حتى قَرَّرَهُ بذنوبه، ورأى في نفسه أنه قد هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فيُعطى كتاب حسناته. وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}] (?).

قلت: وقد قرن سبحانه في كثير من الآيات مغفرته وغضبه، وعفوه وسخطه، ليعتدل الرجاء والخوف في حياة عباده، وليتنبه لذلك أولو الألباب. ومن ذلك:

1 - قال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر: 49, 50].

2 - وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأعراف: 167].

وفي مسند البزار بسند حسن عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [قال الله تعالى: وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين، إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمّنْتُه يوم أجمع عبادي] (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015