تصديقهم بالقرآن تصديقًا منهم للتوراة، فإن التوراة تحفل بهذا الأمر كما يحفل به القرآن.
قال مجاهد: ({وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ}، يقول: إنما أنزلت القرآن مصدقًا لما معكم التوراة والإنجيل).
وقال أبو العالية: (يقول: يا معشر أهل الكتاب، آمنوا بما أنزلت على محمد مصدقًا لما معكم. يقول: لأنهم يجدون محمدًا - صلى الله عليه وسلم - مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل).
وقوله {مُصَدِّقًا} حال من الضمير في أنزلت، والتقدير: بما أنزلته مصدقًا، أو يكون حالًا من ما، والتقدير: آمنوا بالقرآن مصدقًا.
وقوله: {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ}.
فيه أكثر من تأويل حسب عودة الضمير في "به". وتفصيل ذلك:
1 - قيل الضمير يعود على محمد - صلى الله عليه وسلم -.
قال أبو العالية: (يقول: ولا تكونوا أول من كفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم -).
2 - قيل بل الضمير يعود على القرآن.
قال ابن جريج: {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ}، بالقرآن).
3 - وقيل بل الضمير يعود على التوراة: إذ تضمنها قوله {لِمَا مَعَكُمْ}.
قال بعضهم: {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} يعني: بكتابكم. ويتأول أنّ في تكذيبهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - تكذيبًا منهم بكتابهم، لأن في كتابهم الأمرَ باتباع محمد - صلى الله عليه وسلم -).
واختار ابن جرير أن الضمير في "بهِ" عائد على القرآن الذي تقدم ذكره في قوله: {بِمَا أَنْزَلْتُ}.
وقال ابن كثير: (وكلا القولين صحيح، لأنهما متلازمان، لأن من كفرَ بالقرآن فقد كفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ومن كفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقد كفر بالقرآن).
قلت: بل الأقوال الثلاثة متلازمة، فالإيمان بالقرآن يقتضي الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والإيمان بالتوراة، والكفر بالقرآن يعني الكفر بمحمد والكفر بالتوراة التي تأمر بالإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن.