{جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} أي: شديدة مفاجئة. {وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ}. أي: عصف الموج بركبان السفينة من كل اتجاه {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ}. أي: أيقنوا أن الهلاك قد أحاط بهم وأحدق بمصيرهم، فهنالك أخلصوا لله الدعاء وأفردوه بالتعظيم لينجيهم.
وهو قوله: {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}. قال قتادة: (إذا مَسَّهم الضرُّ في البحر أخلصوا له الدعاء).
وقوله: {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}. أي: دعوا الله مخلصين له الدين، لئن كشفت عنا هذه الحال وكتبت لنا النجاة من أهوالها وظلماتها لنخلصن لك في الشكر والطاعة والعبادة.
وقوله: {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}. أي: فلما خلّصهم وأنقذهم رجعوا إلى العمل بالفساد والمعاصي. قال القرطبي: (والبغي: الفساد والشرك، من بَغى الجرحُ إذا فسد، وأصله الطلب، أي يطلبون الاستعلاء بالفساد. {بِغَيْرِ الْحَقِّ} أي: بالتكذيب، ومنه بغت المرأةُ طلبت غير زوجها).
وقوله: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.
أي: إن اعتداءكم - أيها الناس - إنما هو على أنفسكم، وظلمكم يعود بالوبال عليها، وهذا البغي والتفلت إنما هو متاع الحياة الدنيا الفانية. قال سفيان بن عيينة: (أراد أن البغي متاع الحياة الدنيا، أي عقوبته تعجل لصاحبه في الدنيا).
قلت: وهذا الذي قاله سفيان منسجم مع الخبر الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فقد أخرج البخاري في "الأدب المفرد" بسند صحيح عن أبي بكرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [ما من ذنب أحرى أن يعجّل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يُدَّخر له في الآخرة من قطيعة الرحم والبغي] (?).
وقرأها ابن أبي إسحاق: {متاعَ} بالنصب على أنه مصدر، والتقدير: تتمتعون متاعَ الحياة الدنيا، أو بالنصب على الحال أو الظرفية. في حين قرأها الباقون {متاعُ} بالضم، أي هو متاع الحياة الدنيا، وكلاهما مشهور عند القراء.
وقوله: {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}. أي: إنما مآلكم ومصيركم في