أن يوصل بقطيعة الرّحم والقرابة). وفي التنزيل: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22].

واختاره ابن جرير وقال: (وإنما عنى بالرّحم، أهلَ الرحم الذين جمعتهم وإياهُ رحِمُ والدة واحدة. وقطعُ ذلك: ظلمه في ترك أداء ما ألزم الله من حقوقها، وأوجبَ من برِّها. ووصْلُها: أداء الواجب لها إليها من حقوق الله التي أوجب لها، والتعطفُ عليها بما يحقُّ التعطف به عليها).

الثاني: قيل أمر أن يوصل القول بالعمل، فقطعوا بينهما بأن قالوا ولم يعملوا.

الثالث: قيل أمر أن يوصل التصديق بجميع أنبيائه فقطعوه بتصديق بعضهم وتكذيب بعضهم.

الرابع: قيل بل المراد أعم من ذلك، فكل ما أمر الله بوصله وفعله قطعوه وتركوه.

وتأولوا ذلك بأن الله ذمهم بقطعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين وأرحامهم.

ومن ثم فالآية عامة في وصل وإحكام الصلة بدين الله وعبادته في الأرض وإقامة شرائعه وحفظ حدوده. قال القرطبي: (هذا قول الجمهور، والرَّحم جزء من هذا).

قلت: ولا شك أن القول الرابع بشمل كل ما سبق، فالآية عامة في كل ما أمر الله تعالى به أن يوصل. و {مَا} في محل نصب بـ {وَيَقْطَعُونَ} و {أَنْ} بدل من ما أو من الهاء في {بِهِ} أي بوصله، أو في موضع رفع والتقدير: هو أن يوصل.

وقوله: {وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ}.

قال القرطبي: (أي يعبدون غير الله تعالى ويجورون، في الأفعال، إذ هي بحسب شهواتهم، وهذا غاية الفساد). وقال النسفي: (بقطع السبيل والتعويق عن الإيمان).

وقال القاسمي: {وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} بالمنع عن الإيمان، والاستهزاء بالحق، وقطع الوُصَل التي بها نظام العالم وصلاحه).

وقوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.

قال ابن عباس: (كل شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام من اسم مثل "خاسر" فإنما يعني به الكفر. وما نسبه إلى أهل الإسلام، فإنما يعني به الذنب).

والخاسر في لغة العرب: من خسر الشيء إذا نقصه، فهو الذي نقص نفسه حَظَّها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015