وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
قال ابن عباس: ({فُرْقَانًا}: مخرجًا).
وقال مجاهد: (مخرجًا في الدنيا والآخرة).
وفي رواية عن ابن عباس: ({فُرْقَانًا}: نجاة).
وفي لفظ: (نصرًا).
وقال محمد بن إسحاق: ({فُرْقَانًا}: أي: فصلًا بين الحق والباطل).
ذكر ذلك شيخ المفسرين ابن جرير، وعنه الحافظ ابن كثير.
قال ابن كثير: (وهذا التفسير من ابن إسحاق أعمّ مما تقدَّم، وقد يستلزم ذلك كلَّه، فإن من اتقى الله بِفِعْل أوامره، وتَرْكِ زواجره، وُفِّقَ لمعرفة الحق من الباطل، فكان ذلك سبب نَصْرِهِ وَنَجاته ومَخْرجه من أمور الدنيا، وسعادَته يوم القيامة. وتكفير ذنوبه، وهو محوُها. وغَفْرُها: سترها عن الناس - سببًا لنيل ثواب الله الجزيل، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد: 28]).
والخلاصة: إن الصدق في عبادة الله وتعظيمه يورث كرامة لا بد أن يراها المؤمن في حياته وربما يراها من حوله، فإن التقوى مفتاح كثير من الخيرات التي يطمح بها المؤمن في حياته وآخرته، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} أي ميزانًا يفرق به المؤمن بين الحق والباطل، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4]، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 5].
وقد حفلت السنة الصحيحة بآفاق هذا المعنى في أحاديث كثيرة، منها:
الحديث الأول: أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [إن الله تعالى قال: مَنْ عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحِبَّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن