عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا} - أي: هذه الوصية - {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 34 - 36]. وقال في هذه السورة الكريمة أيضًا: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)}، فهذه الآيات الثلاث في "الأعراف"، "والمؤمنون"، "وحم السجدة"، لا رابع لهن، فإنه تعالى يُرشِدُ فيهن إلى معاملة العاصي من الإنس بالمعروف والتي هي أحسن، فإن ذلك يكفه عما هو فيه من التمرد بإذنه تعالى، ولهذا قال: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]).

قلت: وقد حفلت السنة الصحيحة بآفاق هذا المعنى في أحاديث، منها:

الحديث الأول: أخرج البخاري في "الأدب المفرد"، وأبو داود في السنن، بسند صحيح لغيره، عن سُليم بن جابر الهُجَيمي قال: [أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو محتبٍ في بُردة، وإنّ هُدّابها (?) لعلى قَدَميه. فقلت: يا رسول الله، أوصني، قال: عليك باتقاء الله، ولا تحقرنَّ من المعروف شيئًا ولو أن تُفْرغَ للمستسقي من دلوك في إنائه، أو تكلم أخاك ووجهك منبسط، وإياك وإسبال الإزار فإنَّها من المخيلة، ولا يحبها الله، وإن امرؤ عَيَّرك بشيء يعلمه منك فلا تُعَيِّره بشيء تعلمه منه، دعه يكون وباله عليه، وأجره لك، ولا تسبن شيئًا. قال: فما سَبَبْتُ بعدُ دابةً ولا إنسانًا] (?).

الحديث الثاني: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذَرّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بِوَجْهٍ طليق] (?).

الحديث الثالث: أخرج الشيخان عن عديّ بن حاتمٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [اتقوا النار ولو بشِقِّ تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة] (?).

الحديث الرابع: أخرج الإمام أحمد في المسند، والبخاري في "الأدب المفرد"

طور بواسطة نورين ميديا © 2015