وقوله: {كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ}.

قال ابن جرير: (كما أحدثكم وابتدعكم من بعد خلق آخرين كانوا قبلكم. قال: لم يرد بإخبارهم هذا الخبر أنهم أنشئوا من أصلاب قوم آخرين، ولكن معنى ذلك ما ذكرنا من أنهم أنشئوا مكان خَلْقٍ خلف قوم آخرين قد هلكوا قبلهم).

وقوله: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}.

أي: أخبرهم يا محمد - إن الذي وعدكم به ربكم من النكال والعقاب لِمَنْ تمرّد على طاعته وعاند واستكبر وصدّ عن دينه الحق، واقع لا محالة، ولا طريقة للفرار حينئذ من عقاب الله وعذابه في الآخرة.

أخرج الإمام أحمد في المسند، بسند صحيح، عن جُبَيْر بن نُفَيْر عن بُسْر بن جَحَّاشٍ القُرَشي، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بصق يومًا في كفّه فوضع عليها أَصْبُعَهُ ثم قال: [قال الله: إبن آدم أنّى تُعْجِزُني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سَوَّيْتُكَ وعَدَلْتُكَ مَشَيْتَ بين بُردين وللأرض منك وئيد، فجمعت ومَنَعْتَ حتى إذا بَلَغَتِ التراقِيَ قُلْتَ أتصدقُ وأنّى أوانُ الصدقة] (?).

وقوله: {قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ}. قال ابن عباس: (يعني: على ناحيتكم).

وقوله: {إِنِّي عَامِلٌ}. قال ابن كثير: (هذا تهديدٌ شديد، ووعيدٌ أكيدٌ، أي: استمروا على طريقتكم وناحيتكم إن كنتم تظنّون أنكم على هدى، فأنا مستمر على طريقي ومَنْهَجي، كما قال تعالى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} [هود: 121، 122]).

وقوله: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}.

قال: (أي: أتكونُ لي أَوْ لَكُم. وقد أنجز مَوْعودَهُ له - صلوات الله عليه - فإنه تعالى مَكَّنَ له في البلاد، وحَكَّمَهُ في نواصي مخالفيه من العباد، وفتحَ له مكة، وأظهرهُ على من كَذَّبَهُ من قومه وعاداه وناوأه، واستقرّ أمرُه على سائر جزيرة العرب، وكذلك اليمن والبحرين، وكلُّ ذلك في حياته. ثم فُتِحَت الأمصار والأقاليم والرَّساتيقُ بعد وفاته في أيام خُلفائه، - رضي الله عنهم - أجمعين. كما قال تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015