قلت: لقد أثبت الله سبحانه الرؤيا للمؤمنين يوم القيامة، ينظرون إلى وجه ربهم عز وجل، فما أعطوا في الدنيا ولا في الآخرة نعمة هي أعظم من تلك النعمة ولا أقر لأعينهم، وأما في الدنيا فلا أحد كتب الله له ذلك، فهذا نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام من أولي العزم من الرسل ما استطاع رؤية تجلي الله سبحانه للجبل حتى خر صعقًا.
قال الله في سورة الأعراف: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)}.
وفي صحيح الإمام مسلم عن أبي موسى قال: [قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخمس كلمات فقال: إن الله تعالى لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القِسْطَ ويرفَعُه، ويُرفَعُ إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابُه النور، لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه] (?).
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: [سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل رأيت ربك؟ قال: نورٌ أنَّى أراه] (?). وفي لفظ: (رأيت نورًا).
فإذا كان يوم القيامة هيّأ الله سبحانه المؤمنين لرؤيته وأذن لهم بذلك:
قال جل ثناؤه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23].
وأما الكفار فيحرمهم ربهم من هذه النعمة العظيمة فلا يبصرون إلا ما يخزيهم: قال جل ذكره: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].
قال الحاكم: حدثنا الأصم حدثنا الربيع بن سليمان قال: [حضرت محمد بن إدريس الشافعي وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها: ما تقول في قول الله عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}؟ فقال الشافعي: لما أن حُجب هؤلاء في السخط، كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضى] (?). وفي رواية: (ما حجب الفجار إلا وقد عَلِمَ أن الأبرار يرونه عز وجل).