قال ابن جرير: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ}، شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل وسواده).
والإصباح مصدر، من قول القائل: أصبحنا إصباحًا.
وقوله: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا}.
قال النسفي: (أي: ليسكن فيه الخلق عن كدّ المعيشة إلى نوم الغفلة، أو عن وحشة الخلق إلى الأنس بالحق).
وقوله: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا}.
قال ابن عباس: (يعني عدد الأيام والشهور والسنين).
وقال: (يجريان إلى أجل جُعِل لهما). وقال الربيع: (الشمس والقمر في حساب، فإذا خلت أيامهما فذاك آخر الدهر، وأول الفزع الأكبر). وقال قتادة: (يدوران في حساب).
وفي التنزيل: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5]. {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40].
والحسبان في كلام العرب جمع حِساب، والمقصود أن الشمس والقمر يمضيان بحساب ويدوران لمصالح العباد، حتى يبلغا نهاية أمرهما وحد آجالهما. قال السيوطي: (فالآية أصل في الحساب والميقات).
وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو فيقول: [اللهم فالقَ الإصباح وجاعلَ الليل سكنًا والشمس والقمر حُسبانًا اقض عني الدَّيْن وأغنني من الفقر وأمتعني بسمعي وبصري وقوتي في سبيلك] (?).
قلت: ويَشهد لبعض هذه المعاني ذلك الدعاء الجامع الذي كان يدعو به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند النوم. ففي صحيح مسلم عن جرير عن سُهيل قال: [كان أبو صالح يأمُرُنا، إذا أراد أحَدُنا أن ينامَ، أن يضطجعَ على شِقِّهِ الأيمن، ثم يقول: اللهمَّ! ربَّ السماوات وربَّ الأرض ورَبَّ العَرْشِ العظيم، ربَّنا وَرَبَّ كُلِّ شيء، فالِقَ الحَبِّ والنوى، ومُنْزِلَ التوراةِ والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شَرِّ كل شيءٍ أنت آخذٌ بناصِيَتِهِ، اللهمَّ! أنت