وقال: (أي: إنما نحن نستهزئ بالقوم ونلعب بهم) وكذلك قال قتادة والربيع.
وهزئ في لغة العرب: سخر. فأجابهم الله تعالى مقابلة على صنيعهم:
{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)}.
قال ابن عباس: (يسخر بهم للنقمة منهم. {وَيَمُدُّهُمْ} يملي لهم {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} في كفرهم يترددون).
وفي صفة استهزاء الله سبحانه بالمنافقين أكثر من تأويل:
التأويل الأول: مَكْرُهُ بهم يوم القيامة.
قال تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [لحديد].
وقال تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران].
قال ابن جرير: (فهذا وما أشبهه من استهزاء الله جلَّ وعزَّ وسخريتهِ ومكرِه وخديعتِه للمنافقين وأهل الشرك به - عند قائلي هذا القول، ومتأولي هذا التأويل).
التأويل الثاني: استهزاؤه بهم توبيخه إياهم، ولومه لهم على ما ركبوا من معاصيه، والكفر به.
فقد ذكر القرطبي في التفسير عن ابن عباس: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} في الآخرة، يفتح لهم باب جهنم من الجنة، ثم يقال لهم: تعالوا، فيقبلون يَسْبَحون في النار، والمؤمنون على الأرائك -وهي السرر- في الحِجال ينظرون إليهم، فإذا انتهوا إلى الباب سُدَّ عنهم، فيضحك المؤمنون منهم، فذلك قول الله عز وجل: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} أي في الآخرة، ويضحك المؤمنون منهم حين غُلِّقت دونهم الأبواب، فذلك قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35)} إلى أهل النار {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)}).
التأويل الثالث: الاستهزاء والخداع والمكر والسخرية والنسيان المذكورة في قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}. {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142]. {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: 54]. {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ ... } [التوبة: 79]. {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ... } [التوبة: 67]. إخبار أنه تعالى مجازيهم جزاء