أرجلهم بما كانوا يكسبون، فعند ذلك يعرف المشركون أن الله لا يُكتم حديثًا، فذلك قوله: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}).

وقوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}.

قال مجاهد: ({انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}: بتكذيب الله إياهم).

وقال القاسمي رحمه الله: ({انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} أي: بنفي الإشراك عنها أمام علام الغيوب، بحضرة من لا ينحصر من الشهود. {وَضَلَّ} أي: وكيف ضاع وغاب {عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أي: من الشركاء، فلم تغن عنهم شيئًا، ففقدوا ما رجوا من شفاعتها ونصرتها لهم، كقوله تعالى: {قَالوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالوا ضَلُّوا عَنَّا ... } [الأعراف: 37]).

قلت: وقد ثبت في السنة الصحيحة تكذيب الجوارح للعبد ونطقها بما يكتم.

الحديث الأول: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال: [كنا عنه عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَضَحِك فقال: هل تدرون مِمّا أضحك؟ قال قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: مِنْ مُخاطبة العَبْدِ ربَّهُ، يقول: يا ربِّ! ألم تُجِرْني من الظلم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: فإني لا أُجِيزُ على نفسي إلا شاهدًا مني، قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا، وبالكرام الكاتبين شُهودًا. قال: فَيُخْتَمُ على فيه، فيقال لأركانه: انطِقي، قال: فتَنْطِقُ بأعماله، قال: ثم يُخَلّى بينه وبين الكلام، قال: فيقول: بُعْدًا لَكُنَّ وسُحْقًا، فَعَنكُنَّ كنتُ أُناضِلُ] (?).

الحديث الثاني: أخرج الإمام مسلم في صحيحه، وكذلك ابن حبان من حديث أبي هريرة قال: [قالوا: يا رسول الله! هل نرى رَبَّنا يوم القيامة؟ قال: هل تُضَارُّون في رُؤية الشمس في الظهيرة، ليستْ في سَحابة؟ قالوا: لا، قال: فهل تُضارُّونَ في رؤية القمر ليلةَ البَدْر، ليس في سحابة؟ قالوا: لا، قال: فوالذي نفسي بيده! لا تُضَارُّون في رؤية ربكم إلا كما تُضَارُّونَ في رؤية أحدِهما، قال: فَيَلْقى العَبْدَ فيقولُ: أي فُلْ (?)! ألم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015