وفي الصحيحين من حديث ابن عمر: [أن عبد الله بن أبي لما توفي جاء ابنه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه وصل عليه واستغفر له، فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - قميصه فقال: آذني أصلي عليه فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر رضي الله عنه فقال: أليس قد نهاك (?) أن تصلي على المنافقين؟ فقال: أنا بين خيرتين، قال الله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} فصلى عليه فنزلت {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}] (?).
وأما النفاق العملي: فهو من أكبر الذنوب، وهو يشمل الكذب والخيانة والغدر وإخلاف العهد.
قال ابن جريج: (المنافق يخالف قَوْلُهُ فِعْلَه، وسِرُّه علانيته، ومدخلهُ مخرجَه، ومشهده مغيبه).
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [آيةُ المنافِقِ ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخْلف، وإذا اؤتمن خان] (?).
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عَمْروٍ رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [أربعٌ من كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كان فيه خَصْلة منهن كانت فيه خصْلَةٌ من النِّفاق حتى يدَعَها: إذا اؤْتُمِنَ خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غَدَرَ، وإذا خاصم فَجَر] (?).
وقد عُرِف النفاق في المدينة والسور المدنية، إذ إن مكة لم يكن فيها نفاق، بل كان فيها من يُكره على النطق بالكفر وهو مؤمن، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، وكان بها الأنصار من الأوس والخزرج على جاهليتهم يعبدون الأصنام شأن مشركي العرب، وبها اليهود ثلاث قبائل: بنو قينقاع حلفاء الخزرج، وبنو النضير وبنو قريظة حلفاء الأوس، فأسلم من أسلم من الأنصار من الأوس والخزرج، وقلَّ من أسلم من اليهود إلا عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فلما أظهر الله شوكة نَبيِّه والمؤمنين ببدر قال