قال ابن كثير: (أي: نحن منتسبون إلى أنبيائه وهم بنوه وله بهم عناية، وهو يحبُّنا. ونقلوا عن كتابهم أن الله تعالى قال لعبده إسرائيل: "أنت ابني بكري". فحملوا هذا على غير تأويله وحرّفوه. وقد ردّ عليهم غير واحد ممن أسلم من عقلائهم، وقالوا: هذا يُطلَقُ عندهم على التشريف والإكرام، كما نقل النصارى عن كتابهم أن عيسى قال لهم: إني ذاهب إلى أبي وأبيكم، يعني: ربِّي وربِّكم. ومعلوم أنهم لم يدّعوا لأنفسهم من البُنُوَّةِ ما ادعوها في عيسى عليه السلام، وإنما أرادوا بذلك مَعَزَّتهم لديه وحُظْوَتَهم عنده، ولهذا قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه).
وقوله: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ}. تكذيب لهم من الله في ادعائهم.
وفيه أكثر من تأويل:
1 - التأويل الأول: قيل معنى {يُعَذِّبُكُمْ} عَذَّبكم. أي حين مسخهم قردة وخنازير. ذكره القرطبي.
2 - التأويل الثاني: قيل فلم أعدّ لكم نار جهنم على كفركم وكذبكم وافترائكم. ذكره ابن كثير.
3 - التأويل الثالث: هو اعتراف اليهود أن الله سيعذبهم أربعين يومًا عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل. ذكره ابن جرير.
قلت: والبيان الإلهي يحتمل بإعجازه كل ما سبق ذكره. والسنة الصحيحة تؤيده في أحاديث:
الحديث الأول: أخرج ابن حبان في صحيحه، والطبراني في "المعجم الكبير" بإسناد صحيح عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [الحيَّات مسخُ الجن، كما مُسِخَت القردة والخنازير من بني إسرائيل] (?).
الحديث الثاني: أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: [لما فُتحت خَيْبَرُ أُهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم - شاةٌ فيها سُمٌّ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: اجمعوا إليَّ من كان هاهنا من يهود. فجمعوا له، فقال: إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادِقيَّ عنه. فقالوا: نعم، قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: من أبوكم؟ قالوا: فلان، فقال: كذبتم، بل أبوكم فلان.