وفي التنزيل: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)} [البقرة: 55 - 56].
وقوله: {ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ}.
أي: من بعد ما رأوا من المعجزات الكبيرة كإغراق فرعون وجنوده، وآيات على يد موسى - صلى الله عليه وسلم -. فلما مروا بقوم يعكفون على أصنام لهم: {قَالوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138]. ثم اتخذوا العجل الذي كان السامري نبذ فيه ما نبذ من القبضة التي قبضها من أثر فرس جبريل عليه السلام، إلهًا يعبدونه من دون الله، كل ذلك من بعد ما أراهم الله الآيات الواضحات على صدق موسى ووجوب اتباعه ونبذ كل أشكال الهوى.
وقوله: {فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا}. أي: فعفونا عن عبدة العجل صنيعهم بتوبتهم، وعن السائلين رؤية الله حين أنابوا إلى الطريق وأعطينا موسى زيادة من الحجج التي تبين صدقه وحقيقة نبوته.
وقوله: {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ}. قال ابن كثير: (وذلك حين امتنعوا من الالتزام بأحكام التوراة، وظهر منهم إباء عما جاءهم به موسى عليه السلام، ورفع الله على رؤوسهم جَبَلًا، ثم أُلزموا فالتزموا وسجدوا، وجعلوا ينظرون إلى فوق رؤوسهم خشية أن يسقُطَ عليهم، كما قال تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [الأعراف: 171]).
وقوله: {وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}. قال قتادة: (كنا نحدّث أنه باب من أبواب بيت المقدس). أمروا أن يدخلوه سجدًا مع قولهم حطة، أي: اللهم حُطَّ عنا ذنوبنا في تركنا الجهاد ونُكولنا عنه، حتى تُهنا في التيه أربعين سنة، وكانوا أمروا بتلك الهيئة في الدخول ليظهر منهم التواضع لله سبحانه والشعور الحقيقي بندم التقصير والزلل، إلا أنهم كانوا عند أسوأ الظن، فدخلوا يزحفون على أستاههم، وهم يستهزئون ويقولون: حِنْطة في شعيرة.
وقوله: {وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ}. أي: بترك أكل الحيتان يوم السبت أو صيدها، وكذلك ترك التحايل عليها يوم السبت، فمكروا وتحايلوا ونصبوا لها الشباك ليأخذوها في اليوم التالي.