* لقد كان البحثُ في الاختلافِ بسببِ اللُّغةِ شيِّقاً في شقِّهِ الأوَّلِ، وهو بيانُ ما للاختلافِ بسبِبها من إثراء التَّفسيرِ، كما كانَ فيه معرفةُ وجهةِ الأقوالِ وأسبابِها، مما يجعلُ الباحثَ مدركاً للاختلافِ، وعارفاً بما يمكنُ حملُه على الآيةِ وما لا يمكنُ.

أمَّا الشِّقُ الثاني، وهو اتخاذُ اللُّغةِ طريقاً إلى الانحراف بالتَّفسيرِ، فكانَ موضوعاً صعباً، وهو محتاجٌ إلى دراسةٍ مستقلَّةٍ، أرى أنَّه لا بدَّ منها.

وقد ظهرَ لي في هذا المبحثِ أنَّ من أهمِّ أسبابِ الانحراف في التفسيرِ اللُّغويِّ الاعتمادَ على العقلِ المجرَّدِ، والانتصار للمذهبِ العقديِّ، وقد ساعدَ على ذلكَ سَعَةُ العربيَّةِ.

وإنَّ مما يدلُّ على هذه المسألةِ، ما أحدثَه بعضُهم من معانٍ لغويَّةٍ مولَّدةٍ، لا تعرفُها العربُ، ولم يكنْ من منطقِها، ومن أشهرِ الأمثلةِ عليها تفسيرُ معنى الاستواءِ بالاستيلاءِ.

* ولما كان هذا حالُ اللُّغةِ العربيَّةِ من السَّعةِ، صار فيها إثراءٌ للمعاني المحتملةِ في التَّفسيرِ، كما صارَ فيها طريقاً لإثباتِ بعضِ المبتدعةِ بدعَهم بها، وبهذا تكونُ سَعَةُ اللُّغةِ العربيَّةِ سلاحاً ذا حدَّينِ، لذا فإنَّ الأمرَ يحتاجُ إلى ضوابطَ يُتبيَّنُ بها معرفةُ الصَّحيحِ من السَّقيمِ من هذه المحتملاتِ اللُّغويَّةِ، وهذا ما بحثتُه في القاعدةِ الثانيةِ من (قواعد في التفسيرِ اللُّغويِّ)، وقد استنبطتُ لهذه المحتملاتِ ضوابطَ أرجو أن أكونَ قد وُفِّقتُ فيها إلى الصَّوابِ.

كما بيَّنتُ فيها أنَّ معرفَة اللُّغةِ العربيَّةِ ضروريٌّ لمعرفةِ مخالفةِ من يفسِّرُ القرآنَ بغيرِها، وأنَّها سلاحٌ يُشهرُ في وجهِ من يبتدعُ معاني لا تعرفها العربُ؛ ذلكَ لأنَّ القرآنَ عربيٌّ، ولا يمكنُ أن يُفسَّرَ بدلالةِ ألفاظِ غيرِها، وهذا فيه من التَّجنِّي والتَّقوُّلِ على الله بغيرِ علمٍ ما لا يخفى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015