للصَّحابةِ منْ ألفاظِ القرآنِ إلاَّ ما احتاجوا إليه، وهو قليلٌ (?)، ومنْ ذلك: تفسيرُه معنى الوسطِ في قولِه تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] قال: «والوسطُ: العدلُ» (?).
ومنه تفسيرُه الخيطَ الأبيضَ والأسودَ في قولِه تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] عندما أشكلَ على عَدِيِ بنِ حاتمٍ، ففسَّرَه له صلّى الله عليه وسلّم بأنَّه بياضُ النَّهارِ وسوادُ اللَّيلِ (?).
وهذا يعني أنَّ الصَّحابةَ رضي الله عنهم كانوا يتأوَّلُونَ القرآنَ على ما يفهمُونَه من لغتِهم؛ لوضوحِ ذلك عندهم، فإذا أشكلَ عليهم منه شيءٌ سألوا رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم؛ كما حَدَثَ مِنْ عَدِيِ بنِ حاتمٍ. ومما يُعَزِّزُ وُرُودَ الاجتهادِ عنهمْ:
1 - حديثُ ابنِ مسعودٍ (ت:35)، قال: «لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] قلنا: يا رسولَ اللهِ، وأيُّنا لم يظلمْ نفسَه؟
قال: ليسَ كما تقولونَ. لم يلبِسُوا إيمانَهم بظلمٍ: بشركٍ. ألم تسمعوا إلى قولِ لقمانَ لابنِه: {يَابُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]» (?).
إنَّ هذا الحديثَ يَدُلُّ على أن الصَّحابةَ رضي الله عنهم كانوا يجتهدونَ في فَهمِ القرآنِ