يُستدلَّ بهم في أهمية معرفةِ اللُّغةِ العربيَّةِ للمفسِّرِ، ولقد كانَ بتحريراتِه هذه في مصافِّ أقرانِه اللُّغويِّينَ الذي عاشوا في عصرِه، ومن العجيبِ أنَّ هذا العَلَمَ الجهبذَ لا يوجدُ عنه نقلٌ في مدوَّناتِ اللغة التي كُتِبتْ بعدهُ؛ كتهذيبِ اللُّغةِ ولسانِ العربِ وغيرِها، مع أنَّه كانَ في بغدادَ عاصمةِ العلمِ آنذاك، وكان معاصراً لجمعٍ من اللُّغويِّينَ الذينَ دوَّنوا اللُّغةَ، ونُقلتْ أقوالُهم، واعتُمدت، وأذكرُ ـ على سبيلِ المثالِ، لا الحصرِ ـ أبا الحسن عليَّ بنَ الحسنِ الهُنائيَّ، المشهورَ بكُرَاعِ النَّملِ (ت:310)، الذي ألَّفَ كتاب المنجدِ في اللغةِ، وكتاب المنتخب من غريب كلامِ العربِ، ولاحظَ محقِّقو هذين الكتابينِ أنَّ معاني بعضِ الألفاظ تحكى عنه دونَ غيرِه، فهو أعلى مصدرٍ في هذه المعلوماتِ، وينقُلها عنه المتأخِّرونَ على سبيلِ القبولِ، وأنَّ اسمَه كثيرَ التَّردُّدِ في كتابِ المحكمِ ولسانِ العربِ وغيرِهما (?).
فهذا العَلَمُ اللُّغويُّ المعاصرُ للطبريِّ (ت:310) قد حُكيتْ عنه معاني بعضِ الألفاظِ، أمَّا الطبريُّ (ت:310)، فيندرُ أنْ يُحكى اسمُه في كتبِ اللُّغةِ، وهذا يعني عدم اهتمامِ من ألَّفَ في اللُّغةِ بالنَّقلِ عن المفسِّرينَ.
وقد ظهرَ لي أنَّ هذه النَّتيجةَ تنساقُ على جلِّ المفسرِّينَ من السَّلفِ وغيرِهم، حيثُ يَقِلُّ ذكرُ أعيانِ مفسِّرِي السَّلفِ في كتبِ اللُّغويين، كما لم يستفيدوا ـ أي: أهل اللُّغةِ ـ من كتبِ الوجوهِ والنَّظائرِ التي دوَّنها أتباعُ التَّابعينَ، وفي ذلكَ قصورٌ لا يخفى على من تأمَّلَه.
* أنَّ أغلبَ البحثِ اللُّغويِّ في كتب اللُّغويِّينَ: من معاني القرآنِ، وغريبِه، ومعاجمِ اللُّغةِ، وغيرها من المدوناتِ اللُّغويَّةِ، كان منصباً على بيانِ معاني المفرداتِ.