ولمَّا كانَ الأمرُ كذلك؛ فإنَّ بيانَ هذا القرآنِ وتفسيرَه لا بُدَّ أنْ يكونَ أحدَ مصادرِه التي يُفسَّرُ بها هذه اللغةُ التي نزلَ بها. ولا يمكنُ أن يَتَأتَّى تفسيرُه بلغةٍ غيرِها. ومن رامَ غيرَ ذلك وقعَ في الزللِ، وجانبَ الصوابَ (?).

وقد أشارَ الشَّاطِبيُ (ت:790) إلى ذلك بقوله: «... فليسَ بجائزٍ أنْ يُضَافَ إلى القرآنِ ما لا يقتضيه، كما أنه لا يصلُحُ أنْ يُنْكَرَ منه ما يقتضيه، ويجبُ الاقتصارُ في الاستعانةِ على فهمِه على كلِّ ما يُضَافُ علمُه إلى العربِ خاصةً؛ فبه يُوصَلُ إلى علمِ ما أُودِعَ من الأحكام الشرعيةِ، فمنْ طلبَه بغيرِ ما هو أداتُهُ ضَلَّ عنْ فهمِه وتَقَوَّلَ على اللهِ ورسولِه» (?).

وإذا نظرتَ إلى الذين فسَّروا القرآن، وجدتَ أنَّ أوَّلَ المفسرينَ الرسولُ صلّى الله عليه وسلّم، ويدُلُّ لذلك قولُه تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].

ثمَّ جاءَ بعدَه الصَّحابةُ الكرامُ رضي الله عنهم الذين نزلَ القرآنُ بلغتِهم، وشَهِدُوا التَّنْزيلَ، وعرفوا أحوالَ من نزلَ فيهم الخطابُ من المشركين وأهل الكتابِ، فتصدَّى بعضُهم لعلمِ التَّفسيرِ، حتى صارَ مبرِّزاً فيه كعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ الهذليِّ (ت:35)، وعبدِ اللهِ بنِ عباسٍ بن عبد المطلب (ت:68).

ثمَّ لَحِقَ بالصَّحابةِ أعلامُ التَّابعينَ مِمَّنْ تَتَلمذَ عليهم، وبَرَزَ في علمِ التَّفسيرِ؛ كسعيدِ بنِ جبيرٍ (ت:94)، ومجاهدِ بنِ جبرٍ (ت:104)، وقتادةَ بن دعامةَ السَّدُوسِيِّ (ت:117)، وغيرِهم.

ثمَّ حملَه في جيلِ أتباعِ التَّابعينَ بعضُ أعلامِ المفسِّرينَ؛ كإسماعيلَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015