فعلى المعنى الأولِ: لا يذوقون في النَّارِ بردَ الهواءِ أو الماء الذي يُخفِّفُ حرَّ النَّارِ عنهم، ولا شراباً.
وعلى المعنى الثاني: لا يذوقون في النَّارِ نوماً ولا شراباً.
وكلا المعنيينِ صحيحٌ محتملٌ، غيرَ أنَّ المعنى الأولَ هو الأشهرُ الأظهرُ منْ معاني اللَّفظِ في لغةِ العربِ، قالَ الطَّبريُّ (ت:310): «وزعمَ بعضُ أهلِ العلمِ بكلامِ العربِ أنَّ البردَ في هذا الموضعِ النومُ (?) .... والنومُ وإنْ كانَ يُبَرِّدُ غليلَ العطشِ، فقيلَ له منْ أجلِ ذلكَ البردُ، فليسَ هو باسمِهِ المعروفِ، وتأويلُ كتابِ اللهِ على الأغلبِ من معروفِ كلامِ العربِ، دونَ غيرِه» (?).
وترجيحُ هذا المعنى لا يعني إبطالَ المعنى الآخرِ من جهة اللُّغةِ، كما أنَّه لو حملَها غيرُهُ على المعنيينِ، وجعلَ الآيةَ تدلُّ عليهما؛ على عادة بعضِ الألفاظِ القرآنيَّةِ في احتمالِه تعدُّدَ المعاني = لجازَ، واللهُ أعلمُ.
لقدْ تشكَّلَ تفسيرُ السَّلفِ للقرآنِ، وصارَ أحدَ مصادرِ التَّفسيرِ لمنْ جاءَ بعدَهم، ولذا كانَ لزاماً لمنْ أرادَ التَّفسيرَ أنْ يرجعَ إلى أقوالِهم ويعتمدَها في فَهْمِ الآيةِ، وإلاَّ وقعَ في الخطأِ في التَّفسيرِ بسببِ عدمِ معرفةِ أقوالِهم، أو عدمِ الاعتمادِ عليها.
ولقدْ كانَ عدمُ معرفةِ أقوالِ السَّلفِ، أو عدمُ الاعتمادِ عليها منْ منهجِ أهلِ البدعِ الذي يتميَّزُونَ به؛ لذا يَنْدُرُ أنْ تجدَ لهؤلاءِ اعتماداً على تفسيرِ السَّلفِ، كما لم يسلمْ منه طائفةٌ منَ اللُّغويِّينَ في بعضِ المواطنِ التَّفسيريَّةِ.