وإذا تأمَّلتَ هذه المسألةَ، فإنَّه سَيَبِينُ لك ـ إن شاء اللهُ ـ ما يأتي:
1 - أنَّ بحث المفسِّرينَ في التَّفسيرِ كانَ أوسعَ من بحثِ اللُّغويينَ، فالمفسِّرونَ كانوا يفسِّرونَ بما لديهم من لغةِ العربِ، والحديثِ النَّبويِّ، وأسبابِ النزُّولِ، وقصصِ وأحوالِ من نزلَ فيهم الخطابُ منَ العربِ المشركينَ واليهودِ والنَّصارى، وغيرِها مما لا يُدركُ باللُّغة.
أمَّا اللُّغويُّونَ فكانَ جانبُ البحثِ النَّحويِّ واللُّغويِّ يَطغَى على كتبِهم الّتي أَلَّفُوهَا في غريبِ القرآنِ ومعانيه، ولذا ساروا بها على المنهجِ اللُّغويِّ في البحثِ، وصاروا يستدلونَ بقولِ شاعرٍ أو غيرِه ممن سبقَ عَصْرَ السَّلفِ أو أدركَهم، ولا ينظرونَ إلى تفسيراتِ هؤلاءِ السَّلفِ ـ الذين هم في عصرِ من يحتجونَ بشعرِه وقولِه ـ على أنها مرجعٌ من مراجعِ اللُّغويِّينَ، لذا قلَّ أن تجدَ تفسيراتِهم في كُتُبِ اللُّغويِّينَ في البحثِ القرآنيِّ أو اللُّغويِّ.
ولقدَ عَمَدْتُ إلى كتابِ لسانِ العربِ (?) لأستجليَ صِحَّةَ هذه المسألةِ، وجردتُ ما فيه من رواياتٍ تفسيريَّةٍ لمفسِّرينَ ولُغويِّينَ لهم أقوالٌ كثيرةٌ في التفسيرِ، وهم: ابن عباسٍ (ت: 68)، ومجاهدُ بن جبرٍ (ت:104)، والفراء (ت:207)، والزَّجاجُ (ت:311).
وبعدَ جردِ تفسيراتِهم ظهر لي جليًّا قلَّةُ اعتمادِ اللغويينَ على تفسيرِ السلفِ في كتبهم اللغويةِ، وكانتِ النَّتيجةُ كالآتي:
* لم يتجاوزِ التَّفسيرُ المنقولُ عن ابنِ عباسٍ (ت:68) أكثرَ من مائةٍ وأربعينَ موضعاً (?).