اعتماد العقلِ المجرَّدِ في التَّصدِّي للزَّندقةِ:
من الملاحظِ من خلالِ تراجمِ الكتبِ أو المؤلفاتِ أنَّ بعض المعتزلةِ قد تصدّوا لهذا الانحرافِ المتزندقِ، لكنَّهم ناقشوه بعقلٍ مجردٍ غير معتمد على الشَّرعِ، أو بعقلٍ متأثرٍ بآراءٍ فلسفيَّةٍ، فأوقعَهم ذلك في مخالفاتٍ نَتَجَ عنها اعتقاداتٌ باطلةُ، وقد كان ذلك بسببِ بعضِ الإلزاماتِ التي كانتْ نتيجةً لهذه المناقشاتِ التي لا يوجد فيها مرجعٌ يُحتَكم إليه في النِّزاعِ سوى العقلِ المُجَرَّدِ (?).
والعقلُ يختلفُ باختلافِ الثقافاتِ التي كوَّنته، لذا، فليسَ من الغريب أنْ تنشأ انحرافاتٌ عندَ المعتزلةِ بسبب الإلزاماتِ التي كانتْ تصدرُ عن النِّقاشاتِ الجدليَّةِ بين المتزندقةِ والمعتزلةِ، أو بين معتزليٍّ ومعتزليٍّ آخر، فتنشأُ لهم بسببِ تلكَ الإلزاماتِ عقيدةٌ يعتقدونَها ويدافعونَ عنها.
والمعتزلةُ من أوَّلِ الفرقِ التي أعطتِ العقلَ المجرَّدَ حريَّةَ التَّسلُّطِ على النُّصوصِ، فلم يجعلوها من الثَّوابتِ التي يقيسونَ عليها.
لذا لا تجدُ لهم اتفاقاً في المسائلِ، وإن زعموا الاتفاقَ على الأصول الخمسةِ، إذ هم في فروعها ومباحثها فرقٌ شتَّى. وهم وإن كان بينهم ثباتٌ