الثاني: اجعلوا مساجدكم قِبَلَ الكعبة، وذكر ذلك عن ابن عباس (ت:68)، ومجاهد (ت:104)، والضحاك (ت:105)، وقتادة (ت:117) (?).

الثالث: وتَرْجَمَهُ بقوله: اجعلوا بيوتكم يُقَابِلُ بعضُها بعضاً، وذكر ذلك عن سعيد بن جبير (ت:94) (?).

وقد اختار الطبريُّ (ت:310) البيوتَ المسكونةَ، فقالَ: «وأولى الأقوالِ في ذلك بالصَّوابِ، القولُ الذي قدَّمْنَا بيانه، وذلك أنَّ الأغلبَ منْ معاني البيوتِ ـ وإنْ كانتْ المساجدُ بيوتاً ـ البُيُوتُ المسكونةُ، إذا ذُكِرَتْ باسمِها المطلقِ، دونَ المساجدِ، لأنَّ المساجدَ لها اسمٌ هي به معروفةٌ، خاصٌّ لها، وذلكَ: المساجدُ. فأمَّا البُيُوتُ المطلَقَةُ بغيرِ وصلِها بشيءٍ، ولا إضافتِها إلى شيءٍ، فالبُيُوتُ المسكونةُ. وكذلكَ القبلةُ، الأغلبُ من استعمالِ النَّاسِ إيَّاها في قِبَلِ المساجدِ للصَّلواتِ.

فإذا كانَ ذلكَ كذلكَ، وكانَ غيرَ جائزٍ توجيهُ معاني كلامِ اللهِ إلاَّ إلى الأغلبِ من وجوهِهَا، المستعملِ بين أهلِ اللِّسانِ الذي نزلَ به، دونَ الخفيِّ المجهولِ، ما لم تأتِ دلالةٌ تدلُّ على غيرِ ذلكَ ـ ولم يكنْ على قولِه: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} دلالةٌ تَقْطَعُ العُذْرَ بأنَّ معناه غيرُ الظَّاهرِ المستعملِ في كلامِ العربِ ـ لم يَجُزْ لنا توجيهُهُ إلى غيرِ الظَّاهرِ الذي وصفْنَا، وكذلك القولُ في: قِبْلَةً» (?).

والمقصودُ هاهنا أنَّ ورودَ هذه المعاني المخالفةِ للمعنى الأشهرِ في مدلولِ اللَّفظِ عندَ العربِ كانتْ سبباً في حَمْلِ بعضِ المفسرينَ الآياتِ عليها. وسأذكرُ بعضَ الأمثلةِ على ذلكَ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015