وأمَّا قولُ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30] فإن السائلَ يسألُ عنه فيقولُ: كيفَ قالَ: {بَعْدَ ذَلِكَ}، والأرضُ أُنشِئَ خلقُهَا قبلَ السماءِ، والدليلُ على ذلكَ قولُ اللهِ تعالى: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9]، فلمَّا فرغَ منْ ذِكْرِ الأرضِ وما خلقَ فيها قالَ اللهُ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [فصلت: 11]، و «ثُمَّ» لا يكونُ إلاَّ بعدَ الأولِ الذي ذُكِر قبلَهُ، ولم يختلفِ المفسرونُ أنَّ خلقَ الأرضِ سبقَ خلقَ السماءِ.
والجوابُ فيما سألَ السائلُ: أنَّ الدَّحْوَ غيرُ الخلقِ، وإنما هو البسطُ. والخلقُ هو الإنشاءُ الأولُ. فاللهُ ـ جلَّ وعزَّ ـ خلقَ الأرضَ أولاً غيرَ مَدْحُوَّةٍ، ثمَّ خلقَ السماءَ، ثمَّ دحا الأرضَ؛ أي: بسطها.
والآياتُ فيها مؤتلفةٌ ولا تَنَاقُضَ ـ بحمدِ اللهِ ـ فيها عندَ منْ يفهَمُهَا. وإنَّما أُتِيَ الملحدُ الطَّاعنُ فيما شَاكَلَهَا منَ الآياتِ منْ جِهَةِ غباوتِهِ، وغِلَظِ فَهْمِه، وقِلَّةِ عِلْمِهِ بكلامِ العربِ» (?).
وهذه الأمثلةُ السَّابقةُ منْ أمثلةِ معاني القرآنِ التي ذكرَها في كتابِه تُظهِرُ أنَّها قد أخذتْ حيِّزاً لا بأس به، أمَّا ما يتعلقُ بالجانبِ الأكبرِ منَ التَّفسيرِ اللُّغويِّ، وهو دلالة الألفاظِ، فقد أوردَه على الصُّوَرِ الآتية:
1 - تفسيرُ الألفاظِ مع ذكرِ الشَّاهدِ:
كانَ الاستشهادُ للألفاظِ القرآنيَّةِ عندَ الأزهريِّ (ت:370) قليلاً، وقدْ كانَ أغلبُ تفسيرِهِ للألفاظِ بدونِ ذكرِ الشَّاهدِ.
ومنْ أمثلةِ ما استشهدَ لهُ، قولُهُ: «وأمَّا قولُه جلَّ وعزَّ: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ