كَأَنَّكَ لَمْ تَشْهَدْ لَقِيطاً وَحَاجِباً ... وَعَمْرَو بَنَ عَمْرٍو إذَا دَعَا يَالَ دَارِمِ

بمعنى: كأنَّك لم تَعْلَمْ لَقِيطاً؛ لأنَّ بين هُلْكِ لَقِيطٍ وحاجبٍ وزمانِ جريرٍ، ما لا يخفى بُعْدُهُ من المدَّةِ، وذلك أنَّ الذين ذَكَرَهُم هلكوا في الجاهليَّة، وجرير كان بعد بُرْهَةٍ مضت من الإسلام.

قال أبو جعفر: وهذا تأويلٌ بعيدٌ، من أجلِ أنَّ «الرُّؤيَةَ» وإن استعمِلت في موضع (العلم)، من أجل أنَّه مستحيلٌ أنْ يرى أحدٌ شيئاً فلا توجبُ رؤيتُهُ إيَّاه علماً بأنَّه قد رآه، إذ كانَ صحيحَ الفطرةِ. فجازَ مِنَ الوجهِ الذي أثبته رؤيةً، أن يُضافَ إليه إثباتُه إيَّاه عِلْماً، وصَحَّ أن يدلَّ بذكرِ الرؤيةِ على معنى العلمِ منْ أجلِ ذلكَ. فليسَ ذلكَ ـ وإنْ كانَ ذلكَ جائزاً في الرُّؤيةِ؛ لما وصفنا ـ بجائزٍ في العلمِ، فيدل بذكرِ الخبرِ عن (العلمِ) على (الرُّؤيةِ)؛ لأنَّ المرءَ قد يعلمُ أشياءَ كثيرةً لم يرَهَا ولا يراها، ويستحيل أن يرى شيئاً إلاَّ عِلمَهُ، كما قدَّمنا البيان عنه. مع أنَّه غيرُ موجودٍ في كلامِ العربِ أن يُقالَ: علمتُ كذا؛ بمعنى: رأيتُه.

وإنَّما يجوزُ توجيهُ معاني ما في كتابِ اللهِ الذي أنزلَه على محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم مِنَ الكلامِ، إلى ما كانَ موجوداً مثلُه في كلامِ العربِ، دونَ ما لم يكنْ موجوداً في كلامِها.

فموجودٌ في كلامِها: رأيتُ، بمعنى: علمتُ، وغيرُ موجودٍ في كلامِها: علمتُ، بمعنى: رأيتُ، فيجوزُ توجيهُ {إِلاَّ لِنَعْلَمَ} إلى معنى: إلاَّ لنرى» (?).

وموضوعُ اللُّغةِ في تفسيرِ الطَّبريِّ (ت:310) طويلٌ جداً، وهو محتاجٌ إلى من يُجلِّي كنوزَه، وسأختمُ هذا المبحثَ بذكرِ بعضِ ما يتعلَّقُ بالقواعدِ اللُّغويَّةِ التي اعتمدَها، وهي من دلائلِ تميُّزِه في هذا الشَّأنِ، ومن ذلك:

*

طور بواسطة نورين ميديا © 2015