كانَ الصَّحابةُ والتَّابعونَ في زمنِ الاحتجاجِ اللُّغويِّ؛ لذا، فإنَّ الأصلَ أن يُحتجَّ بكلامِهم، وكذا تفسيرُهم لألفاظِهم التي يتداولونَها، ويدخل في ذلك تفسيرُهم لعربيَّةِ القرآنِ.

أمَّا أتباعُ التابِعينَ، فإنْ لم تُدخِلهُم في من يُحتجُّ بكلامِهم، فلا يخرجُونَ عن كونهم نَقَلَةً للُّغةِ، كحالِ اللُّغويِّينَ الَّذِين عاصروهم، وإنما الفرقُ بينهم في هذا: أنَّ أتباعَ التَّابعينَ اعتنوا بتفسيرِ القرآنِ، واللُّغويُّون اعتنوا مع ذلكَ بجمعِ لغةِ العربِ والتَّدوينِ فيها.

ومن هنا، فإنَّ اللُّغويَّ إذا فسَّرَ عربيَّةَ آيةٍ إمَّا أن يكونَ سَمِعها من العربِ الذينَ يُحتَجُّ بلغتهم، وإمَّا أن يكونَ نقلَها عن غيرِه ممَّن سمعها من العربِ.

فإنْ كانَ نقلَها عن العربِ، فهو ناقلٌ لما سمِعَه، ويرجعُ الأمرُ إلى توثيقِه في نَقْلِهِ، وغالبُ اللُّغويِّينَ الذينَ عاصروا أتباعَ التابعينَ لم يُعرفْ عنهم الكذبَ في سماعِهم للعربِ ونقلِهم عنهم، بل كانوا موثَّقين في نقلهم.

وإنْ كانَ نقلَ عمَّن سمِعَ من العربِ ـ وهذا هو الأكثرُ في نقلِهم للغةِ العربِ ـ فإنَّ في النَّقلِ إبهاماً؛ أي أنَّه لا يوجدُ سندٌ متصلٌ من اللُّغويِّ إلى من سُمِعَ كلامُه من العربِ، وهذا يُبنى عليه أنَّ تفسيرَ السَّلفِ مُقدَّمُ على تفسيرِ اللُّغويِّينَ، وسيأتي مزيدُ إيضاحٍ لذلكَ (?)، واللهُ الموفقُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015