لزمت التقديم صارت كالخارج من الشرط، فاستحبوا الفاء وآثروها، كما استحبوها في قولهم: أما أخوك فقاعد، حين ضارعتها» (?).
وقال أبو عبيدة (ت:210) في قوله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَّرٌّ لَهُمْ} [آل عمران: 180]: «انتصب ولم تعمل (هو) فيه، وكذلك ما وقفت فيه فلم يتمَّ إلاَّ بِخَبَرٍ؛ نحو: ما ظننتُ زيداً هو خيراً منك، وإنما نصبت خيراً؛ لأنك لا تقول: ما ظننتُ زيداً، ثمَّ تسكتُ، وتقولُ: رأيتُ زيداً فيتمَّ الكلام، فلذلك قلت: هو خيرٌ منك، فرفعتَ، وقد يجوز في هذا النصبُ» (?).
وقال الأخفش (ت:215) ـ في قوله تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} [القلم: 51]ـ: «وهذه إِنْ التي تكونُ للإيجابِ وهي في معنى الثقيلةِ، إلاَّ أنَّها ليست بثقيلةٍ؛ لأنَّكَ إذا قلتَ: إِنْ كان عبدُ اللهِ لظريفاً، فمعناه: إنَّ عبدَ اللهِ لَظَرِيفٌ قبلَ اليومِ، فـ «إنْ» تدخل في هذا المعنى، وهي خفيفةٌ» (?).
هذه الأمثلةُ ـ وهي كثيرةٌ جداً في معاني القرآنِ للفرَّاءِ (ت:207) والأخفش (ت:215) ـ توضِّحُ صورةَ المسائلِ النَّحويةِ التي طَرَقَهَا اللُّغويُّون في كتبِ المعاني، ويلاحظُ أنَّ أغلبَ هذه المسائلِ لا أثرَ فيه على التَّفسيرِ، بل هي بكتب النَّحْوِ ألصقُ.
لقدْ كانَ الشَّاهدُ العربيُّ عند اللُّغويِّين ذا قيمةٍ كبيرةٍ. ويلاحظُ هاهنا أمرانِ:
الأولُ: أنَّ الشَّواهدَ للمسائلِ النَّحويَّةِ والصَّرفيَّةِ والاشتقاقيَّةِ أكثرُ من الشَّواهدِ اللُّغويَّةِ في كتبِ معاني القرآنِ.