إليه في محل خواطر نفسه، وأمانيها تدب فيها دبيب تلك الخواطر شيئا فشيئا، حتى يقهرها ويغمرها ويذهبها بالكلية. فتبقى خواطره وهواجسه وأمانيه كلها في محاب الرب، والتقرب إليه وتملقه وترضيه، واستعطافه وذكره، كما يذكر المحب التام المحبة محبوبه المحسن إليه الذي قد امتلأت جوانحه من حبه. فلا يستطيع قلبه انصرافا عن ذكره، ولا روحه انصرافا عن محبته. فإذا صار كذلك فكيف يرضى لنفسه أن يجعل بيت أفكاره وقلبه معمورا بالفكر في حاسده والباغي عليه، والطريق إلى الانتقام منه، والتدبير عليه؟ هذا ما لا يتسع له إلا قلب خراب لم تسكن فيه محبة الله وإجلاله، وطلب مرضاته. بل إذا مسّه طيف من ذلك واجتاز ببابه من خارج، ناداه حرس قلبه: إياك وحمى الملك. اذهب إلى بيوت الخانات التي كل من جاء حلّ فيها، ونزل بها. مالك ولبيت السلطان الذي أقام عليه اليزك وأدار عليه الحرس، وأحاطه بالسور، قال تعالى حكاية عن عدوه إبليس: أنه قال:
38: 82، 83 فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ فقال تعالى: 15: 42 إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وقال:
16: 99، 100 إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ وقال في حق الصديق يوسف صلّى الله عليه وسلّم: 12: 24 كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ.
فما أعظم سعادة من دخل هذا الحصن، وصار داخل اليزك، لقد آوى إلى حصن لا خوف على من تحصّن به. ولا ضيعة على من آوى إليه، ولا مطمع للعدو في الدنو إليه منه ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
السبب السابع: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه. فإن الله تعالى يقول: 42: 30 وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما