يعبد الله ويعبد معه غيره، كما قال أهل الكهف وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ أي اعتزلتم معبوديهم، إلّا الله، فإنكم لم تعتزلوه. وكذا قال المشركون عن معبوديهم ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى فهم كانوا يعبدون معه غيره، فلم ينف عنهم الفعل لوقوعه منهم، ونفى الوصف لأن من عبد غير الله لم يكن ثابتا على عبادة الله موصوفا بها.

فتأمل هذه النكتة البديعة، كيف تجد في طيها أنه لا يوصف بأنه عابد لله، وأنه عبده المستقيم على عبادته: إلا من انقطع إليه بكليته، وتبتل إليه تبتيلا، لم يلتفت إلى غيره، ولم يشرك به أحدا في عبادته، وأنه إن عبده وأشرك معه غيره، فليس عابدا لله، ولا عبدا له.

وهذا من أسرار هذه السورة العظيمة الجليلة، التي هي إحدى سورتي الإخلاص، التي تعدل ربع القرآن، كما جاء في بعض السنن. وهذا لا يفهمه كل أحد، ولا يدركه إلا من منحه الله فهما من عنده. فله الحمد والمنة.

وأما المسألة الخامسة، وهي: أن النفي في هذه السورة أتى بأداة «لا» دون «لن» فلما تقدم تحقيقه عن قرب أن النفي «بلا» أبلغ منه «بلن» وأنها أدل على دوام النفي وطوله من «لن» وأنها للطول والمد الذي في لفظها طال النفي بها واشتد، وأن هذا ضد ما فهمته الجهمية والمعتزلة من أن «لن» إنما تنفي المستقبل ولا تنفي الحال المستمر النفي في الاستقبال، وقد تقدم تقرير ذلك بما لا تكاد تجده في غير هذا التعليق، فالإتيان «بلا» متعين هنا. والله أعلم.

وأما المسألة السادسة، وهي: اشتمال هذه السورة على النفي المحض، فهذا هو خاصة هذه السورة العظيمة، فإنها سورة البراءة من الشرك، كما جاء في وصفها: أنها براءة من الشرك. فمقصودها الأعظم:

هو البراءة المطلوبة. وهذا مع أنها متضمنة للإثبات صريحا. فقوله: لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015