وسلطانه وقوته وأسبابه، فيقال له «كلا» لا سبيل لك إلى الرجعة، وقد عمّرت ما يتذكر فيه من تذكر.
ولما كان شأن الكريم الرحيم أن يجيب من استقاله، وأن يفسح له في المهلة ليتذكر ما فاته- أخبر سبحانه أن سؤال هذا المفرط الرجعة كلمة: هو قائلها، لا حقيقة تحتها، وأن سجيته وطبيعته تأبى أن تعمل صالحا. لو أجيب. وإنما ذلك شيء يقوله بلسانه، وإنه لو ردّ لعاد لما نهى عنه، وإنه من الكاذبين.
فحكمة أحكم الحاكمين، وعزته وعلمه وحمده، يأبى إجابته إلى ما سأل. فإنه لا فائدة من ذلك. ولو رد لكانت حاله الثانية مثل حاله الأولى، كما قال تعالى: 6: 27 وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ، فَقالُوا: يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ، وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ.
وقوله: كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ جوابه محذوف، دل عليه ما تقدم، أي لما ألهاكم التكاثر، وإنما وجد هذا التكاثر وإلهاؤه عما هو أولى بكم لمّا فقد منكم علم اليقين، وهو العلم الذي يصل به صاحبه إلى حد الضروريات، التي لا يشك ولا يماري في صحتها وثبوتها. ولو وصلت حقيقة هذا العلم إلى القلب وباشرته لما ألهاه شيء عن موجبه، ولترتب أثره عليه. فإن مجرد العلم بقبح الشيء وسوء عواقبه قد لا يكفي في تركه. فإذا صار له علم اليقين كان اقتضاء هذا العلم لتركه أشد. فإذا صار عين يقين، كجملة المشاهدات، كان تخلّف موجبه عنه اندر شيء.
وفي هذا المعنى قال حسان بن ثابت رضي الله عنه في أهل بدر:
سرنا، وساروا إلى بدر، لحتفهم لو يعلمون يقين العلم ما ساروا