وسَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ جملة محكية. قال الزمخشري:
وتركنا عليه في الآخرين من الأمم. هذه الكلمة- وهي سَلامٌ عَلى نُوحٍ- يعني يسلمون عليه تسليما. ويدعون له، وهو من الكلام المحكي، كقولك: قرأت: سورة أنزلناها.
الخامس: أنه قال: سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ فأخبر سبحانه أن هذا السلام عليه في العالمين، ومعلوم أن هذا السلام فيهم هو سلام العالمين عليه، كلهم يسلم عليه، ويثني عليه، ويدعو له. فذكره بالسلام عليه فيهم.
وأما سلام الله سبحانه عليه. فليس مقيدا بهم، ولهذا لا يشرع أن يسأل الله تعالى مثل ذلك: فلا يقال: السلام على رسول الله في العالمين، ولا: اللهم سلم على رسولك في العالمين، ولو كان هذا هو سلام الله لشرع أن يطلب من الله على الوجه الذي سلم به.
وأما قولهم: إن الله سلم عليه في العالمين. وترك عليه في الآخرين.
فالله سبحانه وتعالى أبقى على أنبيائه ورسله سلاما وثناء حسنا فيمن تأخر بعدهم، جزاء على صبرهم وتبليغهم رسالات ربهم، واحتمالهم للأذى من أممهم في الله. وأخبر أن هذا المتروك على نوح هو عام في العالمين، وأن هذه التحية ثابتة فيهم جميعا، لا يخلون منها. فأدامها عليه في الملائكة والثقلين طبقا بعد طبق، وعالما بعد عالم مجازاة لنوح عليه السلام بصبره، وقيامه بحق ربه، وبأنه أول رسول أرسله إلى أهل الأرض. وكل المرسلين بعده بعثوا بدينه، كما قال تعالى: 42: 13 شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً الآية.
وقولهم: إن هذا قول ابن عباس، فقد تقدم. أن ابن عباس وغيره:
إنما أرادوا بذلك أن السلام عليهم من الثناء الحسن ولسان الصدق. فذكروا بمعنى السلام عليه وفائدته. والله سبحانه أعلم.