بهم، وسوقه إياهم كيف أراد، بتمكينهم إياه من ذلك، بطاعته وموالاته.
والسلطان الذي نفاه: سلطان الحجة. فلم يكن لإبليس عليهم من حجة يتسلط بها، غير أنه دعاهم فأجابوه بلا حجة ولا برهان.
الثاني: أن الله لم يجعل له عليهم سلطانا ابتداء ألبتة، ولكن هم سلطوه على أنفسهم بطاعته، ودخولهم في جملة جنده وحزبه، فلم يتسلط عليهم بقوته، فإن كيده ضعيف. وإنما تسلط عليهم بإرادتهم واختيارهم.
والمقصود: أن من قصده أعظم أوليائه وأحبابه ونصحائه، فأخذه وأخذ أولاده وحاشيته وسلمهم إلى عدوه. كان من عقوبته: أن يسلط عليه ذلك العدو نفسه.
ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)
جعل الله سبحانه مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق. فالمستجيب القابل الذكي الذي لا يعاند الحق ولا يأباه: يدعى بطريق الحكمة.
والقابل الذي عنده نوع غفلة وتأخر: يدعى بالموعظة الحسنة. وهي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب.
والمعاند الجاحد: يجادل بالتي هي أحسن.
هذا هو الصحيح في معنى هذه الآية.
لا ما يزعم أسير منطق اليونان: أن الحكمة قياس البرهان. وهي دعوة الخواص، والموعظة الحسنة: قياس الخطابة، وهي دعوة العوام.
وبالمجادلة بالتي هي أحسن: القياس الجدلي. وهو رد شغب المشاغب بقياس جدلي مسلّم المقدمات.
وهذا باطل. وهو مبني على أصول الفلسفة. وهو مناف لأصول المسلمين. وقواعد الدين من وجوه كثيرة. ليس هذا موضع ذكرها.