ولما كانت الأودية مجاري السيول فيها الغثاء ونحوه مما يمر عليه السيل، فيحتمله السيل، فيطفو على وجه الماء زبدا عاليا يمر عليه متراكما، ولكن تحته الماء الفرات الذي به حياة الأرض، فيقذف الوادي ذلك الغثاء إلى جنبتيه حتى لا يبقى ذلك منه شيء، ويبقى الماء الذي تحت الغثاء يسقي الله تعالى به الأرض فيحيي به البلاد والعباد والشجر والدواب والغثاء يذهب جفاء يجفى ويطرح على شفير الوادي، فكذلك العلم والإيمان، الذي أنزله في القلوب، فاحتملته، فأثار منها بسبب مخالطته لها ما فيها من غثاء الشهوات وزبد الشبهات الباطلة. فيطفو في أعلاها. واستقر العلم والإيمان والهدى في جذر القلوب. فلا يزال ذلك الغثاء والزبد يذهب جفاء ويزول شيئا فشيئا حتى يزول كله. ويبقى العلم النافع، والإيمان الخالص في هذا القلب، يرده الناس فيشربون ويسقون ويمرعون.
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)
الطمأنينة: سكون القلب إلى الشيء، وعدم اضطرابه وقلقه. ومنه الأثر المعروف «الصدق طمأنينة، والكذب ريبة» أي الصدق يطمئن إليه قلب السامع، ويجد عنده سكونا إليه. والكذب يوجب اضطرابا وارتيابا. ومنه
قوله صلّى الله عليه وسلّم «البر ما اطمأن إليه القلب»
أي سكن إليه وزال عنه اضطرابه وقلقه.
وفي «ذكر الله» هاهنا قولان.
أحدهما: أنه ذكر العبد ربّه، فإنه يطمئن إليه قلبه، ويسكن. فإذا اضطرب القلب وقلق فليس له ما يطمئن به سوى ذكر الله.
ثم اختلف أصحاب هذا القول فيه. فمنهم من قال: هذا في الحلف واليمين، إذا حلف المؤمن على شيء سكنت قلوب المؤمنين إليه، واطمأنت. ويروى هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما.