بسم الله الرحمن الرحيم
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)
قلت اعتقد جماعة أن المراد بالآية: سلب فعل الرسول عنه، وإضافته إلى الرب تعالى، وجعلوا ذلك أصلا في الجبر، وإبطال نسبة الأفعال إلى العباد، وتحقيق نسبتها إلى الرب وحده. وهذا أغلظ منهم في فهم القرآن، فلو صح ذلك لوجب طرده في جميع الأعمال. فيقال: ما صليت، وما صمت إذا صمت، وما ضحيت إذ ضحيت، ولا فعلت كل فعل إذ فعلته، ولكن الله فعل ذلك. فإن طردوا ذلك لزمهم في جميع أفعال العباد طاعاتهم ومعاصيهم، إذ لا فرق. فإن خصوه بالرسول وحده وأفعاله جميعها، أو رميه وحده، تناقضوا، فهؤلاء لم يوفقوا لفهم ما أريد بالآية.
وبعد: فهذه الآية نزلت في شأن رميه صلّى الله عليه وسلّم المشركين يوم بدر بقبضة من الحصباء، فلم تدع وجه أحد منهم إلا أصابته. ومعلوم أن تلك الرمية من البشر لا تبلغ هذا المبلغ، فكان منه صلّى الله عليه وسلّم مبدأ الرمي وهو الحذف ومن الله سبحانه وتعالى نيابة، وهو الإيصال. فأضاف إليه رمي الحذف الذي هو مبدؤه ونفي عنه رمي الإيصال الذي هو نهايته.