عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ
وهذا يدل على إرشادهم للمناجاة في الدعاء، لا للنداء الذي هو رفع الصوت فإنهم عن هذا سألوا، فأجيبوا بأن ربهم تبارك وتعالى قريب لا يحتاج في دعائه وسؤاله إلى النداء، وإنما يسأل مسألة القريب المناجى، لا مسألة البعيد المنادى.
وهذا القرب من الداعي هو قرب خاص، ليس قربا عاما من كل أحد، فهو قريب من داعيه وقريب من عابده،
و «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» (?)
وهو أخص من قرب الإنابة وقرب الإجابة، الذي لم يثبت أكثر المتكلمين سواه، بل هو قرب خاص من الداعي والعابد، كما
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم راويا عن ربه تبارك وتعالى: «من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا»
فهذا قربه من عابده. وأما قربه من داعيه وسائله فكما قال تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ.
وقوله: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً فيه الإشارة والإعلام بهذا القرب. وأما قربه تبارك وتعالى من محبه فنوع آخر وبناء آخر، وشأن آخر، كما قد ذكرناه في كتاب التحفة المكية. على أن العبارة تنبو عنه ولا تحصل في القلب حقيقة معناه أبدا، لكن بحسب قوة المحبة وضعفها يكون تصديق العبد بهذا القرب. وإياك ثم إياك أن تعبر عنه بغير هذه العبارة النبوية، أو يقع في قلبك غير معناها ومرادها فتزل بك قدم بعد ثبوتها وقد ضعف تمييز خلائق في هذا المقام وساء تعبيرهم فوقعوا في أنواع من الطامات والشطح، وقابلهم من غلظ حجابه، فأنكر محبة العبد لربه جملة وقربه منه وأعاد ذلك إلى مجرد الثواب المخلوق فهو عنده المحبوب القريب ليس إلا. وقد ذكرنا من طرق الرد على هؤلاء وهؤلاء في كتاب التحفة أكثر من مائة طريق.
والمقصود هاهنا: الكلام على هذه الآية.