التفسير: فيما عرض الله سبحانه وتعالى من النعم التي أنعم بها على بنى إسرائيل، ما قد يدخل منه على الشعور بأن القوم أهل لهذه النعم، وأن الله قد اصطفاهم دون عباده، إذ ساق إليهم تلك النعم وغمرهم بها، ولكن الأمر على خلاف هذا، فإنه ما ذكر القرآن نعمة أنعمها الله على بنى إسرائيل إلّا جاء بعدها التنديد بهم والوعيد لهم، واللعنة عليهم، بسبب مكرهم بآيات الله، وكفرهم بنعمه، وما زالت نعم الله تتوالى عليهم، وما زالت نقمه تنصبّ عليهم، حتى خرجوا من عالم الإنسان إلى عالم القردة والخنازير.. وهكذا، على قدر النعم يكون الابتلاء، فمن حفظها حفظه الله، ومن ضيعها ضيعه الله!! وفى أعقاب قصة البقرة ذكر الله ما فى قلوبهم من قسوة دونها قسوة الحجارة وبلادتها، وإنها لقسوة وبلادة أصبحت جبلّة وطبيعة فيهم، بحيث تنقلت فى أجيالهم إلى أن التقت بعض ذراريهم بالدعوة الإسلامية، وبصاحب الدعوة، النبىّ الأمىّ، الذي يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل.. وإذا هؤلاء الأبناء ليسوا خيرا من آبائهم، وإنه لا مطمع فى استجابتهم للدعوة الإسلامية، ولا رجاء فى انتفاعهم بها.. إنهم يمكرون بآيات الله كما مكر آباؤهم بها..
يسمعون كلام الله، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه، أي إنهم يحرفون عن عمد ويضلون على علم، وتلك هى قاصمة الظهر، فلو أنهم حرّفوا عن سهو أو أخطأوا عن جهل، لكان لهم وجه من العذر، ولكنهم عن عمد حرفوا، وعلى علم ضلّوا وأضلوا..
ثم إن لهم مكرا آخر مع الدعوة الإسلامية، عدا التحريف فيها،