فأولا: ما يقال من اختصاص آدم بخلق تفرّد به من بين المخلوقات- هذا القول لم تشهد له آيات القرآن الكريم، وقد تحدثنا عن ذلك فيما مضى، وانتهينا إلى القول بأن آدم مخلوق أرضى، نبت فى الأرض، كما نبتت سائر المخلوقات التي دبّت عليها.
ثانيا: الوصف الذي وصفت به جنة آدم بأن ساكنها لا يجوع فيها ولا يعرى، ولا يظمأ ولا يضحى- هذا الوصف يمكن أن يتحقق فى كثير من جنات الأرض، حيث يجد من يعيش فيها ما يكفى مطالب الحياة وضروراتها، خاصة وأن آدم- فى هذا الطور من حياته- لم يكن قد عرف نفسه، ولم يكن قد تعرف على ما فيه من إرادة، وأنه لم يكتمل فيه الإنسان الذي ظهر بعد أن أكل من الشجرة- فمطالبه، والحال كذلك، لا تعدو مطالب الرجل البدائى من سكان الأدغال.. وكل هذا حاضر عتيد بين يديه، لا يتكلف له جهدا.
وثالثا: إذا كانت الجنة السماوية قد ذكرت كثيرا فى القرآن الكريم، فى معرض الجزاء الأخروى للمتقين، فإن الجنة الأرضية قد ذكرت أيضا بهذا الاسم.. «جنّة» فقال تعالى: «أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ» .
(166: البقرة) .. وقال سبحانه وتعالى: «وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً» (32، 33: الكهف) .. إلى آيات كثيرة، ورد فيها ذكر الجنة على هذا المعنى.
والقرائن التي قدمناها فى هذا البحث تميل بجنة آدم إلى الجانب الأرضى وتقيمها على أي مكان من الأرض.