والكريم الهنيء من النعيم.. فيقول سبحانه فى أصحاب الجنة: «يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ» (23: الطور) ويقول جل شأنه:
«وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ» (47:
الحجر) ويقول سبحانه: «إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ» (55، 56: يس) .
وعن هذا الشعور كان قول أبى العلاء المعرّى:
ولو أنّى حبيت الخلد فردا ... لما أحببت فى الخلد انفرادا
وانظر إلى أصحاب النار، كيف كان الخطاب من الله- سبحانه وتعالى- مفردا، قبل النار وبعدها. خارجها وداخلها.. حيث يقول جل شأنه:
«وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ» .
إن الإنسان هنا يواجه وحده بهذا الوعيد من رب العالمين، حتى لكأنه هو الوحيد الذي انفرد من بين الناس بالشرود عن طريق الحق، والعصيان لله ورسوله.. ثم ها هو ذا يلقى مصيره المشئوم وحده «ناراً خالِداً فِيها» حتى لكأن جهنم قد خصصت له، وحتى لكأن عذابها مقصور عليه.
وفى هذا ما فيه من مضاعفة العذاب، النفسي، فوق العذاب الحسّى! إن المشاركة فى البلاء تخفف من شدته، وتكسر من حدته، حيث يتأسّى المصاب بغيره من المصابين، ويجد فى مصاب غيره عزاء لمصابه..
وفى هذا تقول الخنساء فى رثاء أخيها صخر:
ولولا كثرة الباكين حولى ... على إخوانهم لقتلت نفسى
وارجع إلى الآيتين الكريمتين الآن، ورتلهما ترتيلا، مستصحبا معك