بعقد من كريم الجواهر، يشدّ إليه حبل من ليف.. إنه إهانة لعزيز، وإذلال لكريم.. وإن الإهانة للعزيز، والإذلال للكريم، لأقتل للنفس، وأنكى للقلب، من إهانة المهين، وإذلال الذليل! فكلمة «جيد» هنا مقصودة لذاتها، إنه يراد بها ما لا يراد بلفظ رقبة، أو عنق.. إنها تنزل امرأة من عقائل قريش، ومن بيوتاتها المعدودة فيها، لتلقى بها فى عرض الطريق، وهى تحمل على ظهرها حزم الحطب، وتشدها إلى جيدها بحبل من ليف!! ولهذا فزعت المرأة، وولولت حين سمعت هذا الوصف الذي وصفها القرآن الكريم به، فخرجت- كما يقول الرواة- فى جنون مسعور، تستعدى قريشا على النبي الذي هجاها- كما تزعم- هذا الهجاء الفاضح، وعرضها عارية على الملأ! وحق للمرأة أن تفزع وأن نجنّ، فلقد كانت هذه الصورة التي رسمها القرآن لها، وعرضها هذا العرض المذل المهين لها، حديث قريش- نسائها ورجالها- ومادة تندرها، ومعابثها، زمنا طويلا..

وأكثر من هذا..

فإن النظم الذي جاءت عليه السورة الكريمة، قد جاء فى صورة تغرى بأن تكون أغنية يتغنى بها الولدان، ويحدو بها الركبان، ويتناشد بها الرعاة..

إنها تصلح أن تكون- فى نظمها- غناء، أو نشيدا، أو حداء.. ولا نحسب إلا أنها كانت، بعد أيام قليلة من نزولها، نشيدا مرددا فى طرقات مكة، على ألسنة الصبيان، وفى البوادي على أفواه الرعاة، والحداة، وأنها قد أخذت صورا وأشكالا من الأوزان، والأنغام، التي تولدت من نظمها العجيب المعجز..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015