وكل هذا الذي يشير إليه القرآن الكريم، هو تخطيط للحرب، ولما ينبغى أن يكون من تدبير جيش المسلمين فى لقاء العدوّ.. فهو درس بليغ فى الحرب، يأتى عرضا، فيكون أثره أبلغ وأوقع من الدرس المباشر، الذي يواجه الإنسان مواجهة الأستاذ لتلميذه.. فلقد جاء العرض للخيل، وفرسانها، وأفعالهم فى الحرب، والمسلمون محصورون فى مكة، واقعون تحت قبضة المشركين، لا يدور فى تفكيرهم أبدا أنهم سيكونون يوما هم فرسان هذه الخيل، وهم جنود الله، تعدو بهم هذه العاديات إلى الجهاد فى سبيل الله، فيمكن الله لدينه بهم فى الأرض، ويقيم بهم دولة الإسلام!.
يقول الأستاذ الإمام محمد عبده، معلقا على هذا الدرس الذي يلقّنه القرآن الكريم لأتباعه فى الإعداد للحرب، والتمكن من وسائلها:
«أفليس من أعجب العجب أن ترى أمما- وخير من هذا أن يقال أمّة، لأن المسلمين أمة لا أمم- هذا كتابها، قد أهملت شأن الخيل والفروسية، إلى أن صار يشار إلى راكبها بينهم بالهزء والسخرية، وأخذت كرام الخير تهجر بلادهم إلى بلاد أخرى؟.
«أليس من أغرب ما يستغرب أن أناسا يزعمون أن هذا الكتاب كتابهم، يكون طلاب العلوم الدينية منهم أشدّ الناس رهبة من ركوب الخيل، وأبعدهم عن صفات الرجولة، حتى وقع من أحد أساتذتهم المشار إليه بالبنان، عند ما كنت أكلّمه فى منافع بعض العلوم وفوائدها فى علم الدين- أن قال لى: «إذا كان كل ما يفيد فى الدين نعلّمه لطلبة العلم، كان علينا إذن أن نعلمهم ركوب الخيل؟! «يقول هذا ليفحمنى، وتقوم له الحجة علىّ، كأنّ تعليم ركوب الخيل مما لا يليق ولا ينبغى لطلبة العلم، وهم يقولون: إن العلماء ورثة الأنبياء..