فأىّ ذكر أعظم من هذا الذكر؟ وأي قدر مثل هذا القدر لبشر غيرك؟
وإنا إذ ننظر فى قوله تعالى فى سورة: «الضحى» :
«أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى؟ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى؟ وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى؟» ثم ننظر فى قوله تعالى فى سورة «الانشراح» :
«أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ؟ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ؟» :
إذ ننظر فى هذه الآيات وتلك معا، نجد تطابقا فى المعنى، وتقريرا له..
فهذا اليتيم الفقير، يؤويه الله سبحانه، ويرفع ذكره فى العالمين، ويجرى الحديث الطيب عنه على كل لسان، أبد الدهر..
والعهد باليتم والفقر، أن يقيما الإنسان فى أدنى درجة فى سلم المجتمع الإنسانى، حيث يلّفه الخمول والضياع، من مولده إلى مماته..
وهذا الضال الذي استبدّت به الحيرة، ورهقه البحث عن طريق الخلاص والنجاة، قد هداه الله، وجعله مصباح هدى للعالمين، فوضع بذلك عن كاهله هذا العبء الثقيل الذي كان ينوء به، من حيرته فى أمره وأمر الظلام المنعقد على قومه.. والعهد بالحائرين أن تعلق بهم الحيرة، وأن تترك بصماتها الواضحة عليهم، حتى بعد شفائهم مما كان قد ألمّ بهم من حيرة وقلق.
وهذا الفقير المعيل، وكان حسبه أن يجد الغنى الذي يسد مفاقره، ويشبع جوعه وجوع عياله- قد أغناه الله، وكفل له ولعياله لقمة العيش.. ثم لم يقف غناه عند هذا، بل شرح الله صدره، وأودع فيه مالا تتسع له كنوز الدنيا كلها، بما نزل عليه من آيات ربه، وبما أراه ربه من مقامه عنده، وبما بارك عليه فى أسرته التي تضم كل مسلم ومسلمة فى مشارق الأرض ومغاربها، يمدّها على