وفى اختيار صفة «الكريم» لله سبحانه وتعالى فى هذا المقام، من بين صفاته الكريمة جل شأنه- فى هذا إلفات إلى هذا الإحسان العظيم الذي أفاضه الله على الإنسان، وإلى مقدار جحود الإنسان وكفرانه، وضلاله، مع هذا الفضل الغامر، الذي يجده الإنسان فى كل ذرة من ذراته، ومع كل نفس من أنفاسه..
وفى قوله تعالى: «ما غرك» إنكار على الإنسان أن يدعوه توالى الإحسان عليه، وتكاثر النعم بين يديه، إلى أن يتخذ من ذلك أسلحة يحارب بها ربه المحسن الكريم..
وكرم الكريم، وإحسان المحسن، إذا قوبل ممن أكرم وأحسن إليه، بالاستخفاف، ثم النكران والجحود، ثم بالحرب والعدوان على الحدود- كان من مقتضى الحكمة والعدل معا، أن يؤدّب هذا الجاحد المنكر، وأن يذوق مرارة الحرمان، كما ذاق حلاوة الإحسان.. وإلا فقد الإحسان معناه، وذهب ريحه الطيب، الذي يجده الذين يعرفون قدره، ويؤدون حقه..
يقول المتنبى:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
ووضع الندى فى موضع السيف بالعلا ... مضرّ كوضع السيف فى موضع الندى
وقد تأول بعض المتأولين هذه الآية تأويلا فاسدا، حين أقاموا منها حجة لأهل الزيغ والضلال، يلقون بها ربهم، إذا سئل أحدهم من ربه: «ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ؟» فيقول فى قحة، وبلا حياء: «غرّنى كرمك» !! إن ذلك مكر بالله، والله أسرع مكرا! ونعم، إن الله كريم كرما لا حدود له.. ولكن هذا الكرم، لا يقع إلا حيث المواقع التي تحيا به، وتثمر أطيب الثمر فى ظله.. إنه كرم بحكمة،