قلنا، فى غير هذا الموضع، إن هذه الأقسام المنفية، يراد بها التعريض بالقسم، لا وقوع القسم ذاته.. إذ كان الأمر الواقع فى معرض القسم أظهر من أن يحتاج إلى توكيد وجوده بقسم.
والخنس: هى الكواكب، إذا طلع عليها النهار خنست أي غابت، واختفت معالمها عن الأنظار..
والجوار الكنس، هى هذه الكواكب فى حال ظهورها بالليل، ثم تغيبها فى الأفق الغربىّ، بفعل حركة الأرض، ودورانها اليومي من الغرب إلى الشرق.. والكناس، مأوى الظباء، وبيتها الذي تسكن إليه.
والخنس: جمع خنساء، وهى الظبية، تدخل فى كناسها، ومن هذا سمّى العرب به بعض بناتهم، ومنهن الخنساء الشاعرة المعروفة تشبيها بالظبية فى جمالها وتناسق أعضائها، ثم فى خفرها، وحيائها، وصونها.
هذا، ومن أسماء الشمس عند العرب «الغزالة» تشبيها لها بالغزالة فى جمالها وتحركها الرتيب الهادئ على مسرح مرعاها، حتى إذا غربت الشمس، عادت إلى كناسها، واختفت فيه. وخنست.. قال المعرى:
ولم أرغب عن اللذات إلّا ... لأنّ خيارها عنّى خنسنه
والفاء فى قوله تعالى: «فلا أقسم» هو مرتبط بما وقع جوابا للشرط «إذا» فى أول السورة وهو قوله تعالى «عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ» أي إن هذا الحق واقع، فلا أقسم لكم على توكيده بِالْخُنَّسِ، الْجَوارِ الْكُنَّسِ» .
قوله تعالى «وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ» ..
عسعس الليل، أي قفل راجعا، وذهب ظلامه الذي كان مخيما على الكون.. ومنه العسس، وهم حراس الليل من الجنود، يعسّون فى الطرقات