لمن هذا النعيم، وإنما ذلك عطاء من ربهم، وفضل من فضله، وإحسان من إحسانه.. أما أعمالهم الصالحة، فليست إلا وسيلة يتوسلون بها إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى، فإذا رضى الله عنهم أرضاهم، وأجزل العطاء لهم..
وفى العدول عن خطاب المؤمنين إلى خطاب النبي فى قوله تعالى: «مِنْ رَبِّكَ» بدلا «من ربهم» - فى هذا تكريم للنبى الكريم، وأنه من فضل ربّه عليه كان هذا العطاء الذي وسع المؤمنين جميعا.
وفى قوله تعالى: «حسابا» إشارة أخرى إلى أن هذا العطاء ذو صفتين:
فأولا، هو عطاء بحساب، حسب منازل المتقين عند الله، وحسب درجاتهم من التقوى، وثانيا، هو عطاء يكفى كل من نال منه، فلا تبقى له حاجة يشتهيها بعد هذا العطاء..
هذا، وقد أشرنا- فى غير موضع- إلى أن نعيم الجنة، وإن استجاب لكل ما تشتهى الأنفس وتلذ الأعين، فإنه يختلف بحسب مقام المتنعمين به، حيث تقّبلهم لهذا النعيم، واتساع قواهم له.. وهذا التقبل وهذا الاتساع يتبع مقام المتنعم ومنزلته عند الله.. وقد ضربنا لهذا مثلا بمائدة ممدودة عليها كل ما تشتهى الأنفس من طيبات، وحولها أعداد من المدعوين إليها.. فكلّ ينال منها قدر طاقته، وشهوته، وإن كانوا جميعا قد نالوا ما يشتهون منها.. ولكن شتان بين من أخذ لقيمات، وبين من قطف من كل ما عليها من ثمار! قوله تعالى:
«رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً» .
هو وصف لله سبحانه وتعالى، المنعم بهذه النعم الجليلة.. إنها من ربّ م 90 التفسير القرآن ج 30