عنهم: «إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ» - كانت تلك القولة المنكرة لسان حالهم، فى كل مشهد يشهدونه للمسلمين وهم يدعون للبذل الإنفاق فى سبيل الله، وينادون فى الناس بقول الله سبحانه: «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» .
(245: البقرة) .. ولا يقع إلى آذان اليهود من كلمات الله تلك إلا «القرض» الذي يعرفونه، ويتعاملون به ربا فاحشا، يغتال أموال الناس، ويمتصّ ثمرة جهدهم.. والقرض لا يكون إلا من غنىّ إلى فقير، وإذ كان الله يطلب قرضا فهو فقير، وإذ كان اليهود هم أقدر الناس على الإقراض الربوىّ فهم أغنياء..
هكذا منطق المال عند اليهود.. حتى مع الله.
وقوله تعالى: «لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ» وعيد لليهود، ونذير بالعذاب الشديد لهم.. إذ كان ما قالوه تجديفا على الله، ومحاربة له.. والله سبحانه وتعالى قد سمع هذا القول المنكر منهم.. والمراد أنه سبحانه وتعالى قد علم ما قالوا.. والتعبير عن العلم بالسّمع أبلغ وأقوى فى حسابنا وتقديرنا نحن.. أما علم الله وسمع الله، وما لله من صفات، فهى جميعا على الكمال المطلق الذي لا يقبل زيادة أو نقصا.
وقوله سبحانه: «سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ» . هو مبالغة فى تغليظ هذا الجرم وتهويله، فقد كتبه الله عليهم ووثّقه، كما يكتبون هم ما يستدينه الدائنون منهم ويوثّقونه، فلا سبيل إلى الضياع أو الإنكار..
ولم يسجّل سبحانه عليهم هذا القول الشنيع وحده، بل قرنه إلى جرم آخر لا يقلّ عنه شناعة وإثما، وهو قتلهم الأنبياء بغير حقّ، وهنا تبدو قولتهم المنكرة تلك موازية لقتل الأنبياء بغير حق، ومعادلة لها فى جرمها وإثمها.