أما مادة تلك اللذة، وهذه البهجة، فلا يمكن أن توصف بألفاظنا، أو تدرك بعقولنا المحدودة القاصرة..
ولقد أشار القرآن الكريم إلى بعض دلالات هذا النعيم الروحي، ولكنه لم يكشف عن مادة هذا النعيم وعناصره.. فهناك نضرة النعيم التي تسفر بها وجوه أهل الجنة: «تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ» (24: المطففين) .
وهناك الأمن والاطمئنان من كل ما يزعج النفس أو يقلقها من حاضر أو مستقبل: «ادْخُلُوا الْجَنَّةَ.. لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ» (49: الأعراف) ثم أليس الخلاص من جهنم، وأ ليست السلامة منها، مصدر نعيم نفسى لا ينفد أبدا؟ إنها لسعادة غامرة، وهناءة كاملة، أن يرى أهل الجنة عذاب السعير، وهم فى مأمن من هذا العذاب.. «فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ» (185: آل عمران) ومن أجل هذا كان من حمد أهل الجنة لله سبحانه وتعالى أن أنقذهم من عذاب النار، هو ما ذكره الله سبحانه من قولهم «وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ، لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ» (35: فاطر) أليس هذا نعيما للنفس، وروحا للروح.. يتجدد فى كل نظرة ينظر بها أصحاب الجنة إلى أصحاب الجحيم؟
ثم ماذا يطلب الإنسان من النعيم، غير أن يجد فيه السعادة المطلقة..