وقوله تعالى: «عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا» أي ويسقون عينا فى هذه الكأس تسمّى سلسبيلا..
فقوله تعالى: «عَيْناً فِيها» عطف بيان لقوله تعالى: «كَأْساً» .. فالعين هى الكأس، والكأس هى الأكواب.. يرون هذا المشهد يمرّ بهم فى لحظة خاطفة.. فأداة الشرب، وهى الكوب، تبدو أولا، ثم- وفى لحظة لازمنية- ترى كأسا ملأى بالشراب.. ثم- وفى لحظة لازمنية أيضا- ترى هذه الكأس عينا تفجر تفجيرا، لا ينفد شرابها، مادامت الكأس على فم الشارب، فإذا أخذ حاجته منها غاضت هذه العين، وغاب وجه الساقي القائم على خدمتها، ليفسح المكان لألوان أخرى من النعيم.. لا تنتهى أبدا..
والسلسبيل: الدائم الجريان، السائغ الطعم، فيجرى فى الحلق جريان الماء فى منحدر الوادي. وبه سميت العين، من تسمية الموصوف بصفته..
وقد جمعت الأكواب، حتى إذا امتلأت بالشراب، أفردت، فكان لكل شارب كأسه الذي يشرب منه، والعين التي تفيض من هذه الكأس..
وهذا من إعجاز القرآن الكريم فى جلال التصوير، وروعة الأداء، وصدق العرض..
ولا تظنن أنا ذهبنا مذهب الشطط، أو الشطح فى تأويل هذه الآيات..
فما ذلك إلا شعاعة من سناها العلوي، الذي يملأ الوجود كله.. وإن هذا الترف الذي يبدو من الصورة التي عرضناها لمجلس الشراب، هو صورة باهتة هزيلة للحقيقة الواقعة التي يعيش فيها أهل هذا المجلس، فى الجنة..
قوله تعالى:
«وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً»