إنما كان بصبرهم فى الدنيا على أعباء التكاليف، وأداء الواجبات.. فالطاعات والأعمال الصالحة كلها لا تؤدّى إلا بمجاهدة النفس، ومغالبة الهوى. وفى الحديث: «حفّت الجنة بالمكاره، وحفّت النار بالشهوات» قوله تعالى:
«مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً» هى حال من أحوال الأبرار، وقد أخذوا منازلهم من الجنة، ولبسوا فيها فاخر الحلل.. فإذا نظر إليهم ناظر هناك، رآهم متكئين على الأرائك، قد أخلوا أنفسهم من هموم الدنيا، وتوقعات المساءات منها، من مرض، أو فقر، أو شيخوخة، أو موت..
والأرائك: جمع أريكة، وهى السرير، مرخى عليه السّتر الرقيقة، رفها وتنعّما..
وفى الاتكاء على السرر، مع أن الاتكاء إنما يكون على الوسائد، على حين أن النوم يكون على السرر- فى هذا إشارة إلى أن هذه السّرر هى متكأ لأهل الجنة، وأنها بمنزلة الوسائد فى الدنيا، وأن أهل الدنيا إذا اتخذوا السرر، وجملوها بما جملوها به، ليكون منامهم عليها، فإن أهل الجنة يتخذون هذه السرر للاتكاء، والاسترخاء عليها، لأن أهل الجنة لا ينامون..
وقوله تعالى: «لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً» أي أنهم لا يرون فى هذه الجنة شمسا، أي حرّا، لأن الشمس هى مصدر الحرارة، كما أنهم لا يرون زمهريرا، أي لا يحسون بردا، ولو لم تكن هناك شمس.. بل إن الجنة نور من نور الحق جلّ وعلا، وجوها سجسچ، لا حرّ فيه ولا برد..
جوّها سجسج وفيها نسيم ... كل غصن إلى لقاه يميل