وقوله تعالى:

«وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ» استدراك فيه معنى الاستثناء من الحكم الذي تضمنه قوله تعالى:

«وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ» .. إذ أن رسل الله الذين يصطفيهم الله لحمل رسالاته إلى عباده، هم ممن أظهرهم الله على بعض ما فى الغيب، وأطلعهم على لمحات منه، ليروا على ضوئها طريقهم الذين يقودون فيه عباد الله إلى الهدى والخير.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً» (26- 27: الجن) ومن جهة أخرى.. فإن الرّسول- وإن لم يطلع على شىء من الغيب.

فإنه أشبه بمن اطلع على الغيب فيما يتعلق بالدعوة التي يحملها، والرسالة التي يقوم بتبليغها.. إنها دعوة خير، ورسالة نور وهدى.. وإن السعادة فى الدنيا والآخرة لمن استجاب لدعوته وعمل بها، وإن النّصر والتأييد من الله لمن آمن بالله وجاهد فى سبيله.. هذه حقائق لا تقبل الشك، ووعود محققة كأنها واقعة وإن لم تكن قد وقعت، فهى فى مضمونها من أبناء الغيب، يراها رسل الله والمؤمنون بالله، رأى العين، ويستيقنونها يقين الواقع فى أيديهم..

ففى قوله تعالى: «كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ» (21: المجادلة) وفى قوله: َ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ»

(47: الروم) وفى قوله سبحانه: «إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ» (51: غافر)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015