يرى أكثر المفسرين أن الاستفهام هنا لا يراد به حقيقته، وإنما هو بمعنى الخبر، وأن «هل» بمعنى «قد» .. أي قد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا..!
والرأى عندنا- والله أعلم- أن الاستفهام على حقيقته، وأنه يحمل سؤالا موجها إلى الإنسان ليجيب عليه، وليبحث عن حقيقته، وكيف كان؟ ثم كيف صار؟ ثم إلى أين ينتهى به خط مسيرته؟
فهذا السؤال من شأنه أن يستثير تفكير الإنسان، وأن ينشّط مداركه الخامدة، وأن يفتح عينيه المغمضتين، على هذا الوجود، وعلى القدرة المسيّرة له، والقائمة على هذا النظام الممسك به.
ولو لبس الاستفهام صورة الخبر- كما يذهب إلى ذلك المفسّرون- لما، كان له هذا الأثر فى تفكير الإنسان، ولما أحدث فى نفسه تلك المشاعر التي يستثيرها هذا الاستفهام الطارق لها..
والحين من الدهر، هو القطعة المقتطعة من الزمن الطويل.. لأن الدهر زمن ممتد لا نهاية له، والقطعة منه أيّا كانت، هى زمن طويل قد يبلغ ألوف السنين.
وهذا يعنى أن الإنسان يمكن أن يكون قد مضى عليه دهر طويل لم يكن فيه شيئا مذكورا، أي ذا ذكر، وأثر مشهود، فى الحياة..
ولو أراد الإنسان أن يجيب على هذا السؤال وهو: كم مضى عليه من الزمن لم يكن شيئا مذكورا؟ - لاقتضاه ذلك أن يرجع ببصره إلى الوراء، وأن يفتش فى أغوار الزمن السحيق عن يوم ميلاده الذي كان فيه شيئا مذكورا..
ثم كان عليه أن يغوص أكثر وأكثر فى أعماق الزمن ليرى وجوده قبل أن يكون شيئا مذكورا..
وفى هذه النظرة العميقة المتفحصة يتسع مجال البحث، وتتشعب مسالك